في الأرض وجبالها وترابها
تفسير الأحلام لإبن سيرين
في الأرض وجبالها وترابها
الأرض
فتدل
على الدنيا لمن ملكها ، على قدر اتساعها وكبرها وضيقها وصغرها ، وربما دلت
الأرض على الدنيا ، والسماء على الآخرة ، لأن الدنيا أدنيت ، والآخرة أخرت
، سيما أن الجنة في السماء ، وتدل الأرض المعروفة على المدينة التي هو
فيها ، وعلى أهلها وساكنها. وتدل على السفر ، إذا كانت طريقا مسلوكا
كالصحاري والبراري ، وتدل على المرأة إذا كانت مما يدرك حدودها ، ويرى
أولها وآخرها . وتدل على الأمة والزوجة ، لأنها توطأ وتحرث وتبذر وتسقى ،
فتحمل وتلد وتضع نباتها إلى حين تمامها . وربما كانت الأرض أما لأنا خلقنا
منها . فمن ملك أرضا مجهولة ، استغنى إن كان فقيرا ، وتزوج إن كان عازبا ،
وولي إن كان عاملا وإن نباع أرضا أو خرج منها إلى غيرها ، مات إن كان مريضا
سيما إن كانت الأرض التي انتقل إليها مجهولة ، وافتقر إن كان موسرا ، سيما
إن كانت الأرض التي فارقها ذات عشب وكلأ ، أو خرج من مذهب إلى مذهب ، إن
كان نظارا . فإن خرج من أرض جدبة إلى أرض خصبة ، انتقل من بدعة إلى سنة ،
وإن كان على خلاف ذلك ، فالأمر ضده ، وإن رأى ذلك مؤمل السفر ، فهو ما
يلقاه في سفره ، فإن رأى كأن الأرض انشقت فخرج منها شاب ، ظهرت بين أهلها
عداوة ، فإن خرج منها شيخ ، سعد جدهم ونالوا خصبا ، وإن رآها انشقت ولم
يخرج منها شيء ولم يدخل فيها شيء ، حدث في الأرض حادثة شر ، فإن خرج منها
سبع ، دل على ظهور سلطان ظالم ، فإن خرج منها حية ، فهي عذاب باق من تلك
الناحية . وإن انشقت الأرض بالنبات ، نال أهلها خصبا ، فإن رأى أنه يحفر
الأرض ويأكل منها ، نال مالا بمكر ، لأن الحفر مكر ، فإن رأى أرضا تفطرت
بالنبات وفي ظنه أنه ملكه وفرح بذلك ، دل على أنه ينال ما يشتهي ويموت
سريعا، لقوله تعالى ( حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة ) ــ الأنعام
:44 ومن تولى طي الأرض بيده ، نال ملكا ، قيل : إن طي الأرض أصاب ميراثا.
وضيق الأرض ضيق المعيشة . ومن كلمته الأرض بالخير . نال خيرا في الدين
والدنيا ، وكلامها المشتبه المجهول المعنى ، مال من شبهة والخسف بالأرض :
زوال النعم وانقلاب الأحوال ،والغيبة في الأرض من غير حفر ، طول غربة في
طلب الدنيا ، أو موت في طلب الدنيا . فإن غاب في حفيرة ليس فيها منفذ ،
فإنه يمكر به في أمر بقدر ذلك . ومن كلمته الأرض بكلام توبيخ ، فليتق الله
فإنه مال حرام . ومن رأى أنه قائم في مكان فخسف به ، فإن كان واليا فإنه
تنقلب عليه الدنيا ، ويصير الصديق عدوه وسروره غما ، لقوله تعالى ( فخسفنا
به وبداره الأرض ) ــ القصص : 81 .
فإن رأى محلة أو أرضا طويت على
الناس ، فإنه يقع هناك موت ، أو قال وقيل يهلك فيه أقوام بقدر الذي طويت
عليهم ، أو ينالهم ضيق وقحط ، أو شدة . فإن كان ما طوي له وحده ، فهو ضيق
معيشته وأموره . فإن رأى أنها بسطت له أو نشرت له ، فهو طول حياته وخير
يصيبه المفازة : اسمها مستحب ، وهو فوز من شدة إلى رخاء ، ومن ضيق إلى سعة ،
ومن ذنب إلى توبة ، ومن خسران إلى ربح ، ومن مرض إلى صحة ، ومن رأى أنه في
بر ، فإنه ينال فسحة وكرامة وفرحا وسرورا ، بقدر سعة البر والصحراء
وخضرتها وزرعها والأرض القفر فقر ، والوادي بلا زرع حج ، لقوله تعالى (
ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع ) ـ إبراهيم : 37 . ومن رأى أنه
يهيم في واد ، فإنه يقول ما لا يفعل ، لقوله تعالى عن الشعراء ( ألم تر
أنهم في كل واد يهيمون * وأنهم يقولون ما لا يفعلون ) ــ الشعراء : 255 ــ
226 الجبل : ملك أو سلطان قاسي القلب ، قاهر ، أو رجل ضخم على قدر الجبل
وعظمه ، وطوله وقصوره ، وعلوه ، ويدل على العالم والناسك ،ويدل على المراتب
العالية والأماكن الشريفة والمراكب الحسنة ، والله تعالى خلق الجبال
أوتادا للأرض حين اضطربت ، فهي كالعلماء والملوك ، لأنهم يمسكون ما لا
تمسكه الجبال الراسية ، وربما دل على الغايات والمطالب ، لأن الطالع إليه
لا يصعد إلا بجاهه ، فمن رأى نفسه فوق جبل ، أو مسندا إليه أو جالسا في ظله
، تقرب من رجل رئيس ، واشتهر به واحتمى به ، إما سلطان أو فقيه عالم عابد
ناسك ، فكيف به إن كان فوقه يؤذن أذان السنة مستقبل القبلة ،أو كان يرمي عن
قوس بيده ،فإنه يمتد صيته في الناس على قدر امتداد صوته ، وتنفذ كتبه
وأوامره إلى المكان الذي وصلت سهامه . وإن كان من رأى نفسه عليه خائفا في
اليقظة أمن ، وإن كان في سفينة ، نالته في بحره شدة وعقبة يرشي من أجلها ،
وكان صعوده فوقه عصمة ، لقوله تعالى ( سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ) ــ
هود : 43
قال ابن سيرين : الجبل حينئذ عصمة ، إلا أن يرى فلي المنام
كأنه فر من سفينة إلى جبل ، فإنه يعطب ويهلك ، لقصة ابن نوح ، كما في قوله
تعالى ( قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان
من المغرقين ) ــ هود : 43 وقد يدل ذلك على من لم يكن في يقظته في سفينة
ولا بحر ، على مفارقة رأي الجماعة والانفراد بالهوى والبدعة ، فكيف إذا كان
معه وحش الجبال وسباعها ، أو كانت السفينة التي فر منها إلى الجبل فيها
قاض ، أو رئيس في العلم ، أو إمام عادل . وأما صعود الجبال ،فإنه مطلب وأمر
يرومه ، فيسأل عما قد هم به في اليقظة ، أو أمله فيها من صحبة السلطان أو
عالم ، أو الوقوف إليها في حاجة أو في سفر في البر وأمثال ذلك . فإن كان
صعوده إياه كما يصعد الجبال أو بدرج أو طريق آمن ، سهل عليه كل ما أهله ،
وخف عليه كل ما حوله . وإن نالته فيه شدة أو صعد إليه بلا درج ولا سلم ولا
سبب ، ناله خوف ، وإن كان أمره غررا كله . فإن خلص إلى أعلاه ، نجا من بعد
ذلك . وإن هب من نومه دون الوصول ، أو سقط في المنام ، هلك ، نجا من بعد
ذلك. وإن هب منم نومه دون الوصول ،أو سقط في المنام ، هلك في مطلوبه وحيل
بينه وبين مراده ، أو فسد دينه في عمله ، وعندها ينزل به من التلاف
والإصابة من الضرر والمصيبة والحزن ، على قدر ما انكسر من أعضائه وأما
السقوط من فوق الجبل والكوادي والروابي والسقوف وأعالي الحيطان والنخل
والشجر ، فإنه يدل على مفارقة من يدل ذلك الشيء الذي سقط عنه في التأويل
عليه ، من سلطان أو عالم أو زوج أو زوجة أو عبد أو ملك أو عمل أو حال من
الأحوال ،يسأل الرائي عن أهم ما هو عليه يفي يقظته ، مما يرجوه ويخافه
ويقدمه ويؤخره في فراقه له ، ومداومته إياه ، فإن شكلت اليقظة لكثرة ما
فيها من المطالب والأحوال ، أو لتغيرها من الآمال ، حكم له بمفارقة من سقط
عنه في المنام على قدر دليله في التأويل
. ويستدل على التفرقة بين
أمريه على قدر دليله ، وأن علمه باستكماله من الشيء الذي كان عليه وقوته
وضعفه واضطرابه ، وربما أفضى إليه من سقوطه من جدب أو خصب أو وعر أو سهل أو
حجر أو رمل أو أرض أو بحر ، ربما عاد عليه فيء جسمه في حين سقوطه ، ويدل
على السقوط إلى الوحش والغربان والحيات وأجناس الفأر ، أو القاذورات
والحمأة ، وقد يدل على ترك الذنوب والإقلاع عن البدع ، إذا كان فراره من
مثل ذلك ، أو كان سقوطه في مسجد أو روضة أو إلى نبي أو روضة ، أو إلى نبي
أو أخذ مصحف ، أو إلى صلاة جماعة وأما ما عاد إلى الجبل من سقوط أو هدم أو
احتراق ، فإنه دال على هلاك من دل الجبل عليه ، أو دماره أو قتله ، إلا أن
يرتفع في الهواء على رؤوس الخلق ، فإنه خوف شديد يظل على الناس من ناحية
الملك . لأن بني إسرائيل رفع الجبل فوقهم كالظلة تخويفا من الله لهم ،
وتهديدا على العصيان ، لقوله تعالى (وإذ نتقنا فوقهم الجبل كأنه ظلة وظنوا
أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون ) ــ
الأعراف : 171 وأما تسيير الجبال ، فدليل على قيام قائمة ، إما حرب تتحرك
فيه الملوك بعضها على بعض ، أو اختلاف واضطراب يجري بين علماء الأرض في
فتنة وشدة ، يهلك فيها العامة . وقد يدل ذلك على موت وطاعون ، لأنها من
علامات القيامة ،
وأما رجوع الجبل زبدا أو مادا أو ترابا ، فلا خير
فيه لمن دل الجبل عليه لا في حياته ولا في دينه ، فإن كان المضاف إليه ممن
عز بعد زلته ، وآمن بعد كفره ، واتقى الله من بعد طغيانه ، عاد إلى ما كان
عليه ورجع إلى أولى حالتيه ، لأن الله تعالى خلق الجبال فيما زعموا من زبد
الماء ، والزبد باطل كما عبر به تعالى في كتابه والجبل الذي فيه الماء
والنبات والخضرة ، فإنه ملك صاحب دين ، وإذا لم يكن فيه نبات ولا ماء فإنه
ملك كافر طاغ ، لأنه كالميت لا يسبح الله تعالى ولا يقدسه والجبل القائم
غير الساقط فهو حي وهو خير من الساقط ، والساقط الذي صار صخورا فهو ميت ،
لأنه لا يذكر الله ولا يسبحه ، ومن ارتقى على جبل وشرب من مائه وكان أهلا
للولاية ، نالها من رجل ملك قاسي القلب نفاع ، وما لا يقدر ما شرب . وإن
كان تاجرا ارتفع أمره وربح ، وسهولة صعوده فيه سهولة الإفادة للولاية من
غير تعب . والعقبة عقوبة وشدة ، فإن هبط منه نجا ، وإن صعد عقبة فإنه
ارتفاع وسلطنة مع تعب والصخور التي حول الجبل والأشجار قواد ذلك المكان .
وكل صعود رفعة ، وكل هبوط ضعة ، وكل طلوع يدل على هم ، فنزوله فرج ، وكل
صعود يدل على ولاية ، فنزوله عزل . وإن رأى أنه حمل جبلا فثقل عليه ، فإنه
يحمل مؤونة رجل ضخم أو تاجر يثقل عليه ، فإن خف ، خف عليه فإن رأى أنه دخل
في كهف جل ، فإنه ينال رشدا في دينه وأموره ، ويتولى أمور السلطان ، ويتمكن
. فإن دخل كهف جبل في غار ، فإنه يمكر بملك أو رجل منيع ، فإن استقبله جبل
، استقبله هو أو سفر أو رجل منيع أو أمر صعب أو امرأة صعبة قاسية ، فإن
رأى أنه صعد الجبل ، فإن الجبل غاية مطلبه يبلغها بقدر ما أنه صعد ، حتى
يستوي فوقه وكل صعود يراه الإنسان ، أو عقبة أو تل أو سطح أو غير ذلك ،
فإنه نيل ما هو طالب من قضاء الحاجة التي يريدها ، والصعود مستويا مشقة ولا
خير فيه . فإن رأى أنه هبط من تال أو قصر أو جبل ، فإن الأمر الذي يطلبه
ينتقص ولا يتم ،
ومن رأى أنه يهدم جبلا فإنه يهلك رجلا ، ومن رأى
أنه يهتم بصعود جبل أو بنزوله ، كان ذلك الجبل حينئذ غاية يسمو إليها ، فإن
هو علاه نال أمله ، فإن سقط عنه يغترب حاله والصعود المحمود على الجبل ،
أن يعرج في ذلك كما يفعل صاعد الجبل . وكل الارتفاع محمود ، إلا أن يكون
مستويا ، لقوله تعالى ( سأرهقه صعودا ) ــ المدثر : 17 فإن رأى أنه يأكل
الحجر ، فإنه ييئس من رجاء يرجوه . فإن أكله مع الخبز ، فإنه يداري ويحتمل
بسبب معيشته صعوبة . فإن رأى أنه يحذف الناس بالحجر ، فإنه يلوط ، لأن
الحذف من أفعال قوم لوط التراب : يدل على الناس ، الأرض ، وبه قوام معاش
الخلق ، والعرب تقول : أترب الرجل ، إذا استغنى . وربما دل على الفقر
والميتة والقبر ، لأنه فراش الموتى . والعرب تقول : ترب الرجل ، إذا افتقر .
وقال تعالى ( أو مسكينا ذا متربة ) ــ البلد : 16 .فمن حفر أرضا واستخرج
ترابها ، فإن كان مريضا أو عنده مريض ، فإن ذلك قبره ، وإن كان مسافرا ،
كان حفره سفره ، وترابه كسبه وماله وفائدته ، لأن الضرب في الأرض سفر ،
لقوله تعالى ( وآخرون يضربون في الأرض ) ــ المزمل : 20
وإن كان
طالبا للنكاح ، كانت الأرض زوجة ، والحفر افتضاضا ، والمعول الذكر ،
والتراب مال المرأة أو دم عذريتها وإن كان صيادا ، فحفره ختله للصيد ،
وترابه كسبه وما يستفيده ، وإلا كان حفره مطلوبا يطلبه في سعيه ومكسبه مكرا
أو حيلة وأصل الحفر ما يحفر للسباع من الزبى لتسقط فيها ، فلزم الحفر
المكر من أجل ذلك وأما من عفر يديه من التراب ، أو ثوبه من الغبار ، أو
تمعك في الأرض ، فإن كان غنيا ذهب ماله ونالته ذله وحاجة ، وإن كان عليه
دين أو عنده وديعة ، رد ذلك إلى أهله وزال جميعه من يده ، واحتاج من بعده ،
وإن كان مريضا ، نقصت يده من مكاسب الدنيا ، وتعرى من ماله والحق بالتراب
وضرب الأرض بالتراب ، دال على المضاربة بالمكاسبة ، وضربها بسير أ و عصا ،
يدل على سفر بخير ، وقال بعضهم : المشي في التراب ، التماس مال ، فإن جمعه
أو أكله ، فإنه يجمع مالا ويجري على يديه مال ، وإن كانت الأرض لغيره ،
فالمال لغيره ، فإن حمل شيئا من التراب ، أصاب منفعة بقدر ما حمل ، فإن كنس
بيته وجمع منه ترابا ، فإنه يحتال حتى يأخذ من امرأته مالا ، فإن جمعه من
حانوته جمع مالا من معيشة ومن رأى أنه يستف التراب ، فهو مال يصيبه ، لأن
التراب مال ودراهم ، فإن رأى أنه كنس تراب سقف بيته وأخرجه ، فهو ذهاب مال
امرأته ، فإن أمطرت السماء ترابا ، فهو صالح ما لم يكن غالبا . ومن انهدمت
داره وأصابه من ترابها وغبارها ، أصاب مالا من ميراث ، فإن وضع ترابا على
رأسه ، أصاب مالا من تشنيع ووهن . ومن رأى كأن إنسانا يحثي التراب في عينه ،
فإن الحاثي ينفق مالا على المحثي ليلبس عليه أمر أو ينال منه مقصده فإن
رأى كأن السماء أمطرت ترابا كثيرا ، فهو عذاب ، ومن كنس دكانه وأخرج التراب
ومعه قماش ، فإنه يتحول من مكان إلى آخر
الرمل
أيضا يجري
مجرى التراب ، في دلالة الموت والحياة والغنى والمسكنة ، لأنه من الأرض ،
والعرب تقول أرمل الرجل ، إذا افتقر . ومنه أيضا المرملات ، وهن اللواتي قد
مات أزواجهن ، وربما دل السعي فيه على القيود والعقلة والحصار والشغب
والنصب ، وكل ما سعى فيه من الهم والحزن والخصومة والتظلم ، لأن الماشي فيه
يحصل ولا يركض ، راجلا يمشي فيه ، أو راكبا ، على قدر كثرته وقلته ، ونزول
القدم فيه ، يكون دلالته في الشدة والخفة ، ومن رأى أن يده في الرمل ،
فإنه يتلبس بأمرهن أمور الدنيا . فإن رأى أنه استف الرمل أجمعه أو حمله ،
فإنه يجمع مالا ويصيب خيرا . ومن مشى في الرمل ، فإنه يعالج شغلا شاغلا على
قدر كثرته وقلته التل والرابية : إذا كانت الأرض دالة على الناس ، إذ منها
خلقوا . فكل نشز منها وتل ورابية وكدية وشرف ، يدل على كل من ارتفع ذكره
على العامة ، بنسب أو علم أو مال أو سلطان . وقد تدل على الأماكن الشريفة
والمراتب العالية والمراكب الحسنة . فمن رأى نفسه فوق شيء منها ، فإن كان
مريضا كان ذلك نعشه ، سيما إن رأى الناس تحته . وإن لم يكن مريضا وكان
طالبا للنكاح تزوج امرأة شريفة عالية الذكر ، لها من سعة الدنيا بقدر ما
حوت الرابية من سعة الأرض ، وكثرة التراب والرمل
وإن رأى أنه يخطب
الناس فوق ذلك أو يؤذن ، فإن كان أهلا للملك ناله ، أو القضاء أو الفتيا أو
الأذان أو الخطبة أو الشهرة والسمعة ، لأنها مقام أشراف العرب ، ومن رأى
أرضا مستوية فيها رابية أو تل ، فإنه رجل له من سعة الدنيا بقدر ما حوله من
الأرض المستوية.فإن رأى حوله خضرة ، فإن دينه أو حسن معاملته ، فمن رأى
أنه قعد على ذلك التل أو تعلق به أو استمكن منه ، فإنه يتعلق برجل عظيم كما
وصفت ، فإن رأى أنه جالس في ظل التل فإنه يعيش في كنف الرجل . فإن رأى أنه
سائر على التلال ، فإنه ينجو ، ومن رأى كأنه ينزل من مكان مرتفع ، فإنه
ينال هم وغم .والسير في الوهدة عسر يرجو صاحبه اليسر في عاقبته المدينة :
تدل على أهلها وساكنيها ، وتدل على الاجتماع والسواد الأعظم والأمان
والتحصين ، لآن موسى ، عليه السلام ، حين دخل إلى مدين قال له شعيب ، عليه
السلام، : لا تخف نجوت ، وربما دلت القرية على الدنيا ، والمدينة على
الآخرة ، لأن نعيمها أجل ، وأهلها أنعم، ومساكنها أكبر . وربما دلت المدينة
على الدنيا ،والقرية على الجبالة ، وذلك أنها بارزة منعزلة عنها مع غفلة
أهلها . وربما دلت المدينة المعروفة على دار الدنيا ، والمجهولة على الآخرة
. وربما دلت المدينة المجهولة الجميلة على الجنة ، والقرية السوداء
المكروهة على النار ، لنعيم أهل المدن ، وشقاء أهل القرى فمن انتقل في
منامه من قرية مجهولة إلى مدينة كذلك ، فانظر في حاله ، فإن كان كافرا أسلم
، وإن كان مذنبا تاب ، وإن كان صالحا فقيرا حقيرا ، فإنه يستغني ويعز ،
وإن كان مع صلاحه خائفا أمن ، وإن كان صاحب سرية تزوج ، وإن كان مع صلاحه
عليلا مات ، وإن كان ذلك لميت تنقلت حاله وابتدلت داره ، فإنما هناك داران
إحداهما أحسن من الأخرى ، فيمن انتقل من الدار القبيحة إلى الحسنة الجميلة
نجا من النار ، ودخل الجنة إن شاء الله وأما من خرج من مدينة إلى قرية
مجهولتين ، فعلى عكس الأول ، وإن كانتا معروفتين اعتبرت أسماؤها وجواهرهما ،
فتحكم للمنتقل بمعاني ذلك ، كالخارج من باغاية إلى مدينة مصر، فإنه يخلص
من بغي ويبلغ سؤله ويأمن خوفه ،لقوله تعالى ( ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين
) ــ يوسف : 99
فإن كان خروجه من سر من رأى إلى خرا سان ، انتقل من
سرور إلى سوء قد آن وقته . وكذلك الخارج من المهدية والداخل إلى سوسة ،
خارج عن هدى وحق إلى سوء وفساد ، على نحو هذا ومأخذه في سائر القرى والمدن
المعروفة وأما أبواب المدينة المعروفة ، فولاتها أو حكامها ومن يحرسها
ويحفظها . وأما دورها فأهلها من الرؤساء وكبراء محلتها ، وكل درب دال على
من يجاوره ، ومن يحتاج إليه أهل تلك المحلة في مهماتهم وأمورهم ، ويرد عنهم
حوادثهم بجاهه وسلطانه ، أو بعمله وماله . وقال بعضهم : المدينة رجل عالم ،
إذا رأيتها من بعيد ، وقيل المدينة دين ،والخروج من المدينة خوف ، لقوله
تعالى ( فخرج منها خائفا يترقب ) ــ القصص : 21 . ، ودخول المدينة صلح فيما
بينه وبين الناس ، يدعونه إلى حق ، قال الله تعالى ( ادخلوا في السلم كافة
) ـ البقرة : 208 . وهو المدينة ، فإن رأى أن مدينة عتيقة قد خربت قديما
وانهدمت دورها ، فجاء هناك عالم أو إمام ، يحدث هناك ورعا ونسكا . ومن رأى
أنه دخل بلدا فرأى مدينة خربة لا حيطان لها ولا بنيان ولا آثار ، فإنه كان
في ذلك اليوم علماء ماتوا وذهبوا ودرسوا . ولم يبق منهم ولا من ذريتهم أحد ،
فإن رأى أنه يعمر ، فإنه يولد من نسل العلماء الباقين ولد يظهر فيه سيرة
أولئك العلماء ، ومن رأى مدينة أو بلدا خاليين من السلطان ، فإنه سعر
الطعام يغلو هناك ، فإن رأى مدينة أو بلدا مخصبة حسنة الزرع ، فذلك خير حال
أهلها ، وقال بعضهم : إذا كانت المدن هادئة ساكنة فإنها في الخصب دليل على
الجدب ، وفي الجدب دليل على الخصب. والأفضل أن يرى الإنسان المدن العامرة
الكثيرة الخصب ، فإنها تدل على رفعة وخصب ، وإن رأى الجدبة القليلة الأهل ،
دلت على قلة الخير وبلدة الإنسان تدل على الآباء ،
مثال ذلك : أن
رجلا رأى كأن مدينته وقعت من الزلزال ، فحكم على والده بالقتل . وحكي أن
وكيعا كان مع قتيبة لما سار من الري إلى خرا سان ، فرأى وكيع في منامه كأنه
هدم شريف مدينته ونسفها ، فسأل المعبر فقال : أشراف يسقطون من جاههم على
يدك ويوسمون ، فكان كذلك . القرية المعروفة تدل على نفسها وعلى أهلها وعلى
ما يجيء منها ويعرف بها ، لأن المكان يدل على أـهله كما قال تعالى ( واسأل
القرية ) ــ يوسف : 82 . يعني أهلها . وربما دلت القرية على دار الظلم
والبدع والفساد والخروج عن الجماعة ، والشذوذ عن جماعة رأي أهل المدينة ،
ولذا وسم الله تعالى دور الظالمين في كتابه بالقرى . وقد تدل على بيت النمل
، ويدل بيت النمل على القرية ، لأن العرب تسميها قرية . فمن هدم قرية أو
أفسدها ، أو رآها خربت وذهب من فيها ، أو ذهب سيل بها أو احترقت بالنار ،
فإن كانت معروفة جار عليها سلطان ، وقد يدل ذلك على الجراد والبرذ والجوانح
والربا . وردم كوة النمل في سقف البيت ، وكذلك في المقلوب من صنع ذلك بكوة
النمل أو الحيات ، عدا على أهل القرية بالظلم والعدوان ، وعلى كنيسة أو
دار مشهورة بالفسوق ، ومن رأى أنه دخل قرية حصينة ، فإنه يقتل أو يقاتل
لقوله تعالى ( لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة ) ، الحشر : 14 . وقيل :
من رأى أنه يجتاز من بلد إلى قرية ، فإنه يختر أمرا وضيعا على أمر رفيع ،
أو قد عمل عملا محمودا يظن أنه غير محمود ، أو قد عمل خيرا يظن أنه شر ،
فيرجع عنه ، وليس بجازم ، فإنه رأى أنه دخل قرية ، فإنه يلي سلطانا ، فإن
خرج من قرية ، فإنه ينجو من شدة ويستريح ، لقوله تعالى ( أخرجنا من هذه
القرية الظالم أهلها ) ــ النساء : 75 .
فإن رأى كأن قرية عامرة خربت والمزارع تعطلت ، فإنه ضلالة أو مصيبة لأربابها . وإن رآها عامرة ، فهو صلاح دين أربابها
الصخور
الميتة
المقطوعة الملقاة على الأرض ، ربما دلت على الموتى لانقطاعها من الجبال
الحية المسبحة ، وتدل على أهل القساوة والغفلة والجهالة ، وقد شبه الله
تعالى بها قلوب الكفار ، والحكماء تشبه الجاهل بالحجر ، وربما أخذت الشدة
من طبعها ، والحجر والمنع من اسمها ، فمن رأى كأنه ملك حجرا أو اشترى له أو
قام عليه ، ظفر برجل على نعته ، أو تزوج على شبهة على قدر ما عنده من
اليقظة . ومن تحول فصار حجرا ، قسا قلبه وعصى ربه وفسد دينه ، وإن كان
مريضا ، ذهبت حياته وتعجلت وفاته ، وإلا أصابه فالج تتعطل منه حركاته وأما
سقوط الحجر من السماء إلى الأرض على ا لعالم أو في الجوامع ، فإنه رجل قاس
وال أو عشار ، يرمي به السلطان على أهل ذلك المكان ، إلا أن يكونوا يتوقعون
قتالا ، فإنها وقعة تكون الدائرة فيها والشدة والمصيبة على أهل ذ لك
المكان ، فكيف إن تكسر الحجر وطار فلق تكسيره إلى الدور والبيوت ، فإنه
دلالة على افتراق الأنصبة في تلك الوقعة وتلك البلية ، فكل من دخلت داره
منها فلقة ، نزل بها منها مصيبة ، وإن كان الناس في جدب يتقون دوامه
ويخافون عاقبته ، كان الحجر شدة تنزل بالمكان ، على قدر عظم الحجر وشدته
وحاله فكيف إن كان سقوطه من الأنادر أو في رحاب الطعام . وإن كانت حجارة
عظيمة قد يرمي بها الخلق من السماء ، فعذاب ينزل من السماء بالمكان ، لأن
الله سبحانه وتعالى قتل أصحاب الفيل حين رمتهم الطير بها ، لقوله تعالى (
وأرسل عليهم طيرا أبابيل * ترميهم بحجارة منن سجيل ) ــ الفيل 3 ـ 4. فإما
وباء أو جراد أو برد أو بريح أو مغرم أو غارة ونهبة ، وأمثال ذلك ، على قدر
زيادة الرؤيا وشواهد اليقظة.
الحصى
تدل على الرجال والنساء ،
وعلى الصغار من النساء ، وعلى الدراهم ابيض المعدودة ، لأنها من الأرض
وعلى الحفظ والإحصاء ، لما ألم به طالبه من علم ، أو شعر ، وعلى الحج ورمي
الجمار ، وعلى القساوة والشدة ،وعلى السباب والقذف . فمن رأى طائرا نزل من
السماء إلى الأرض ، فالتقط حصاة وطار بها ، فإن كان ذلك في مسجد ، هلك منه
رجل صالح أو صلحاء الناس ، فإن كان صاحب الرؤيا مريضا ، وكان من أهل الخير
أو ممن يصلي أيضا فيه ، ولم يشركه في المرض أحد ممن يصلي أيضا فيه ، فصحاب
الرؤيا ميت ، وإن كان التقاطه للحصاة من كنيسة ، كان الاعتبار في فساد
المريض ، كالذي قدمناه ، وإن التقطها من دار أو من مكان مجهول ، فمريض صاحب
الرؤيا من ولد أو غير هلك ، فأما من التقط عددا من الحصى وصيرها في ثوبه �
السبت أبريل 23, 2011 6:07 pm من طرف nana2011